الخميس، 19 نوفمبر 2015

قصيدة قلب الشاعر لأبي القاسم الشابي تحليل بلاغي.

  1. نبذة تعريفية بالشاعر:
  2.  أبو القاسم الشابي الملقب بشاعر الخضراء شاعر تونسي من العصر الحديث ولد في بلدة الزارات التابعة لولاية توزر. ويكيبيديا

  3. الميلاد٢٤ فبراير، ١٩٠٩، توزر، تونس
  4. الوفاة٩ أكتوبر، ١٩٣٤، تونس، تونس
نص القصيدة:
كل ما هب وما دب وما نام أو حام على هذا الوجود
من طيور و زهور وشذى وينابيع وأغصان تميد
وبحار وكهوف وذرى وبراكين ووديانٍ وبيد
وضياءٍ وظلالٍ ودجى وفصولٍ وغيولٍ ورعود
وثلوج وضباب عابرٍ وأعاصير وأمطار تجود
وتعاليم ودين ورؤى وأحاسيس وصمتٍ ونشيد
كلها تحيا بقلبي حرةً غضة السحر كأطفال الخلود
ههنا في قلبي الرحب العميقْ يرقص الموت وأطياف الوجود
ههنا تعصف أهوال الدجى ههنا تخفق أحلام الورود
ههنا تهتف أصداء الفنا ههنا تعزف ألحان الخلود
ههنا تمشي الأماني والهوى والأسى في موكب فخم النشيد
ههنا الفجر الذي لا ينتهي ههنا الليل الذي ليس يبيد
ههنا ألف خضمٍّ ثائرٍ خالد الثورة مجهول الجدود
ههنا في كل آن تمّحي صور الدنيا وتبدو من جديد
قصيدة الشابي قلب الشاعر تحفل بالمميزات الأسلوبية ، إذ تلاحظ فيها جملة من الظواهر يمكن تلخيصها فيما يأتي:
أولاً:التساوي بين النكرات والمعارف.
 حفلت القصيدة بالألفاظ المعرفة ، والمنكرة، وفاقت عدة كل منها الأربعين اسماً . وشملت المعارف الأسماء المبنية، والمعرفة بال والمضافة إلى معرفة.
إن الإكثار من صيغ الأسماء بما تدل عليه من الجمود وعدم التغير والخضوع للدلالات الزمنية المتغيرة . يفيد أن الشاعر مصمم على التغلب على إرادة التغيير الخاضعة لسلطة الزمن ، وذلك بالإصرار على تحدي هذا السلطان.
إن الإكثار من صيغ النكرات بما يفيده التنكير من الدلالة على العموم والشيوع ناسب افتتاحية القصيدة التي رمى منها إلى جعل كل كائن حي في الوجود مشاركاً له ثورته.
ثم عدوله عن ذلك إلى صيغ المعارف بما تفيده من التخصيص والتحديد في الأبيات التي تلت ذكر قلب الشاعر عزز من قوة قلب الشاعر الذي يستطيع احتواء كل هذا العالم على عمومه واتساعه ، في مكان واحد قد يبدو ضيقاً ، لكنه قادر على الإلمام به. 

ثانياً : تكرار حروف العطف.
تكرر حرف العطف الواو في القصيدة 32 مرة ، وهو عدد كبير في قصيدة لاتعدو أبياتها الأربعة عشر بيتاً . ويمثل حرف العطف الواو معنى المشاركة في العمل، وهو يعزز الترابط بين أجزاء القصيدة . وورد حرف العطف (أو) مرة واحد فقط وذلك ليوافق الفكرة التي تمثل التناقض بين السكون والحركة في قوله: ( نام أو حام)، لما يمتاز به حرف العطف أو من الدلالة على التخيير والشك.
ثالثاً:صيغ الجمع.
من المميزات الأسلوبية في القصيدة الإكثار من الكلمات المجموعة جمع تكسير، باختلاف مدلولاتها وتنوع صيغها. فمنها صيغة جمع القلة : (أفعال) التي تكررت 8 مرات ، غير أن كونها من صيغ جموع القلة لا يمنع أنه وضعها للدلالة على الكثرة ، لاسيما حين قرنها بالعطف وبالإضافة إلى صيغ جموع الكثرة في نحو قوله : (وينابيع وأغصان ) و(أحلام الورود). والأكثر وردوداً في النص هو صيغ جموع الكثرة التي تتقدمها صيغة ( فـُعول) : 9 مرات، تليها صيغ منتهى الجموع التي وردت 6 مرات متنوعة بين أوزان ( أفاعيل الذي ورد مرتين ، تفاعيل، يفاعيل، فعالين، أفاعل) . ، و(فـُعَل ) الواردة 3 مرات، وصيغة (فـِعال) الواردة مرتين ، وأخيراً ( فـِعْل) مرة واحدة.
إن أهم ما يستفاد من تكرار صيغ الجمع والإكثار منها هو المبالغة والتكثير. والشاعر هنا في موقف يتحدى فيه الزمن والوجود بقلبه وحده ، فليس من العجيب أن يشحذ خياله ليستمد من قوة الكلمة ما يساعده في إضفاء هالة من العظمة قد تبدو مبالغاً فيها!


رابعاً:أسماء الجنس.

 أكثر الشاعر من إيرادها ، وهي تشبه في دلالتها الجمع ، لأنها تمثل الجنس كاملاً ، ومنها في النص: شذا ، دجى ، دين، الفجر ، الليل، الهوى ، الأسى.

خامساً:تكرار صيغ المصادر وأسماء المصادر.

 يدلّ المصدر على معنى مجرد من الدلالة الزمانية، ولذا فهو يشع بمدلول شامل ، ويشبه في دلالته اسم الجنس ، غير أن اسم الجنس يدل على شيء محسوس، في حين يدل المصدر على معنى قائم في الذهن . وقد استعمل الشاعر كثيراً من المصادر ،
 منها: وجود، نشيد ، صمت ، الخلود. 

سادساً: تكرار الألفاظ ذات المدلول الزماني والمكاني.

 كرر الشاعر عدة ألفاظ بعينها في القصيدة ، يتقدمها اسم الإشارة الدال على المكان القريب، ( ههنا ) وهو مصدّر بـ( ها ) التنبيه ، مما يقوي دلالته ، والمعنى المراد منه.فقد تكرر 10 مرات ، وهو يشير به إلى (قلب الشاعر ) الذي هو مضمون القصيدة ، فلا عجب إذن من التكرار.
ومن الألفاظ التي تكررت ( الوجود) الذي تكرر في القافية مرتين ، و القاعدة تقضي بعدم جواز تكرار الكلمة في القافية مرتين قبل أن تمر سبعة أبيات. والشاعر قد التزم بهذه القاعدة عندما كرر هذه الكلمة، لكنه لم يتأكد من ذلك عندما كرر( الخلود) مرتين في القافية . وذلك لأن المعنى كان أقوى من أن يقاومه ، لأن القصيدة تتركز في معنى الوجود والخلود لمدلولهما المكاني الزمني الشامل وقتاً لا محدوداً، وهي صيحة تؤكد رغبة الإنسان في البقاء . وإرادته التحرر من قيود المكان الزمن . بحصر قوة الزمن كلها في مكان واحد هو ( قلب الشاعر).


سابعاُ:الإكثار من الأفعال المضارعة.

 أحصيت عدد الأفعال في القصيدة فبلغت : 17 فعلاً ، أربعة منها فقط ماضية، واثنان فقط منفيان. وهذا يترك 15 فعلاً مضارعاً في القصيدة ، ومعروف ما للفعل المضارع من دلالة الحدوث والتجدد ، أي: الاستمرارية في الحدث. فهو لذلك يعزز موقف الشاعر في إرادة البقاء.
وتتسع الدهشة إذا ما علمنا أن الشاعر قد تلاعب بالأفعال الماضية إذ أدخل عليها (ما) المصدرية فسلبها دلالتها على المضي ، وهو الاقتران بزمن انتهى وزال، ليمنحها دلالة المصدرية غير المحددة بزمن . وهذا أيضاً يعزز موقف الشاعر الرافض لقيود الزمان.


ثامناُ: الصفات.

 إن استعمال الصفات في القصيدة بما لها من دلالة على استمرار اتصاف الموصوف بها على وجه الثبوت والدوام عزز من دلالة القصيدة، فقد استعمل منها: عابر، حرّة ، غضّة، الرحب ، العميق، فخم، ثائر ، خالد، مجهول. على تنوع فيها بين الصفة المشبهة واسم الفاعل واسم المفعول.
فضلاً عن استعماله الجمل الفعلية في محل نعت ( أغصان تميد، أمطار تجود) . وكذلك الاسم الموصول الذي يجعل الجملة صالحة لوصف الاسم . (الفجر الذي لا ينتهي) و( الليل الذي ليس يبيد).

أخيراً نأتي إلى اختيار الشاعر القافية المقيدة الذي ربما كان عن لا وعي منه، لما تفيده من الحزن الذي يدعم وجوده استعمال الشاعر مفرادت دجى، ضباب، الأسى، الموت، الفنا، الليل) . لكنه حزن يدفعه لأن يحاول التغلب بكل قوة على ضعفه ، مستعملاً الكثير من المفردات التي تشع بالبهجة جاعلاً الضباب عابراً، والموت يرقص معبراً بالاحتفال و(الموكب) و(النشيد) عن (الثورة).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق