الثلاثاء، 1 ديسمبر 2015

حلقة اليوم مع المجاز العقلي و( العلاقة الزمانية)..من علم البيان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ اعــداد الشاعـر/ سـيـد غـيث ...


*<> بسم الله الرحمن الرحيم <>*
٠
٠
اهلا بكم احبتي مع برنامج (( الصياغة في علمي اللغـة والبلاغة ))

وحلقة اليوم مع المجاز العقلي و( العلاقة الزمانية)..من علم البيان ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اعــداد الشاعـر/ سـيـد غـيث ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٠
** المقــــــــدمــــــــــة:-
٠
من العجب احبتي الكرام ان اذكر لكم مرحلة مرت بهــا اللغـــة العربيــــة (لغـة القرآن الكريم) فقد مرت اللغة العربية ببعـــض المحــــن وبدا يدب فيهــا الضعف والوهن وذلك كان قرابة القرب (الخامس) وهــــي في اوج نهضتهـــا.. وكان اول مرض الم بها في هذا العصر آنذاك هو الوقوف عند ظواهر قوانين النحو ومـدلول الالفاظ المفردة .. والجمل المركبة والانصراف عن جوهـــــر اللغـــة الممثل في معاني الاساليب وكان عدم الاهتمام بمناحي القول وضروب التجوز..والكــــناية فكانت هذه هي الاسباب التي المت باللغة واضعفتها .. فكان ولابـد من وجود علماء يحيون هذه اللغــــة الجليلـــــة وكان ذلك مـــا اشفق مـنه ( عبد القاهر الجرجاني) على اللغة العربية فعكف على تاليف مؤلفاته الخالـــدة والتـي دون فيهما علم البلاغة ووضع قوانين لعلمي البيان والمعاني ..وقد ظهر في عصـره مدرسة الالفاظ فتحكمت وطغت على مدرسة المعاني ومن اجــــل ذلك قدم
( الجرجاني ) العديد من المؤلفات التي تؤيد علم المعاني وبيان فضل المعاني وبين دورها في بلاغة القول .
هو:( ابو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني) .. الامام النحوي الذي يعد احد علماء الكلام على مذهب (الاشاعرة) ولد وعاش (بجرجان) ببــــلاد فارس ولقب بالجرجاني نسبة لها..لــه مؤلفـــات قيمـــة في النحو والصـــرف وعلم العروض..والاعجاز القرآني..ولكنه اشتهر اكثر بكتبه الخالـــــدة ومنهــــا( اسرار البلاغة) والذي وضع فيه نظرية علم البيان وكتاب(دلائل الاعجاز) الــــذي وضع فيه نظرية علم المعاني..وهــــو لهذا يعد بحق واضع اســس البلاغــة العربية والمشيد لاركانها والموضــــح لقواعدهــــا وفنونهــــا .. والذي على نهجه سار المؤلفون من بعده واتموا البنيان الذي وضع اسسه..رحمه الله واسكنه عوالي الجنان .

** (( تــــعـــــريــــــف الـــمــــجـــــــــاز ))**
<>ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<>
* ((تعريف المجاز لغة)) المجاز كلمة اشتقت من جاز الشـــيء اذا تعـدى الى غيره ويسمى به اللفظ الذى يعدل به عما يوجبه اصل الوضـــع لانهم جازوا به موضعه الاصلى .

* ((تعريف المجاز اصطلاحا)) هو اللفظ المستعمل فى غير ما وضع لـــه لعلاقه مع قرينه مانعة من ارادة المعنى الاصلى للكلمة .
= وحلقة اليوم احبتي الغوالي عن المجاز العقلي:-
** ((( تعـــــريف الـــمــــجـــــــــاز العقــــــــلي )))
<><>ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<><>
*المجاز العقلي هو إسناد الفعل إلي غير ما هو له وذلك لعلاقة بينهـــــما مع وجود قرينة مانعة من الإسناد الحقيقي. يكون الإسناد المجازى إلـــــي سبب الفعل أو زمانه أو مكانه أو مصدره أو يكون بإسناد المبني للفاعل إلى المفعول أو المبني للمفعول إلى الفاعل .

= مثال:( للمجاز العقلي)وهنا يسند الفعل أو مايدل على معنــــى الفعل إلى غير ماحقُّه أن يسنَد إليه لعلاقةمع قرينة صارفة عن أن يكون الإسنــاد إلى ما حقُّه أن يسند إليه. فمن ذلك إسناد الفعل إلى ظرف المكان في هذه المقوله مثلا( جرى النهر ) وكان الأصل فيه أن يسند إلى الفاعل الحقيقي وهو ( الماء) فيقال (( جرى الماء في النهر)) وهكذا.
=مثال آخر( للمجاز العقلي) وذلك في إسناد الفعــــل إلــى السبب في هذه المقولة ايضا فمثلا نقول( بنى الملك القصر ) وكان الحق أن يسـنَد إلى الفاعل الحقيقي وهم العمال فنقول(( بنى العمال القصر بأمر الملك )) لكنه أسند إلى الباعث على البناء وهو (( الملك)) وهنا يعد إسنادًا مجازيًا.
**(( تفسير آخر مختصر للمجاز العقلي)) فنقول ( إنّ المجاز العقــلي هو عبارة عن تنزيل المعنى المجازي منزلة المعنى الحقيقي).
**(( للمجــــاز العقلـــــي عـــدة اشكــــال ومنهـــــا ))**
<><>ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<><>
=الاول ((الإسناد إلى الزمان)) كأن تقول (دارت بنا الأيام) فالأيـــــام في حقيقة الامر لا تدور بل أنت تدور في تلك الأيام فنسبة الدوران إلى الأيام مجاز علاقته (الزمانية) .

= الثاني ((الإسناد إلى المكان)) كأن تقول ( ازدحمت الشوارع) فـــإن الشوارع لا تزدحم بل الناس هي التي تزدحم فيها فنسبة الازدحام إلى الشـوارع مجاز علاقته (المكانية) .
= الثالث (( الإسناد إلى المصدر)) كأن تقول ( هذا الشخص جنّ جــنونه ) فإن الذي جنّ هو هذا الشخص ولكن نسبته إلى المصدر مجاز علاقتة ( المصدرية)
** ((من اقوال ( الجرجاني ) في المجاز العقلي )) **
٠٠--------------------------------٠٠
*يقول:هَذَا الضَّربُ مِنَ المَجَازِ عَلَــــى حدَّتِهِ كَــــنْزٌ مِنْ كنُــوزِ البَلاغَـــــةِ ومادةُ الشَّاعرالفذ والكاتبِ البَليغِ فِي الإبداعِ والإحسَــــانِ والاتِّساعِ فِي طَريقِ البَيَانِ العقلي .

** (( المجاز العقلي في القرآن الكريم بين الاثبات والاسناد ))**
<٠>==========================<٠>
*والمراد بعلاقة المجاز العقلي في القرآن هنا هو وجه الاستعـــــمال المجازي وسببه الداعي اليه والركيزة المقتضية التي يستند اليها هذا المــــجاز ولك أن تتجوز في ذلك فتقول إن العلاقة هناهي المسوغ الفني أو المبررالاستعمالي لهذه الصيغة المجازية دون الأصل الحقيقي.

ووفق هذا الفهم للمجاز العقلي عند(( الزمخشري)) فهــــو يخــرج لنا المعنى الكامل مخرج المجاز في قوله تعالى:-
(( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْـــتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ))..[العنكبوت آيه٤١]
فقد حملها ( الزمخشري) على الإرادة المجازية في النظر العقلــي ناظــرا الى التركيب الجملي دون اللفظ المــفرد من خـــــلال تشخيـــص ( للمجاز العقلي) فيتحدث عن الآية ويقول :
أخرج الكلام بعد تصحيح التشبيه مخرج المجاز فكأنه قال وإن أوهـــن مايعتمد عليه في الدين عبادة الأوثان لوكانوا يعلمون .

*وعليه فقد حقق (الزمخشري) المجاز العقلي عنده وعـند مـــن بعده ورأى أن وراء الكناية والاستعارة في البيان مجازا آخر غير المجاز اللغــوي وهــــو المجاز الحكمي المستفاد منه عن طريق العقل لدى استقراء الجمــــــل في التركيب والنظر في مجموعة المفردات المكونة للكلام .
*وجاء (الخطيب القزويني) فتابع قول ( السكاكي) في التسمـــية والتعريف معا فقال عن (المجاز العقلي)(( وهو ما كانت العلاقة بين ما استعمل فيه وما وضع له ملابسة غير التشبيه كاليد إذا استعمـــلت في النعمة لأن مـــن شأنها أن تصدر عن الجارحة ومنها تصل الى المقصود بها ويشـــترط أن يكـون في الكلام إشارة الى المولي لهافلا يقال (اتسعت اليد فــي البلد) ..أو ( اقتنيت يدا ) كما يقال ( اتسعت النعمة في البلد) أو (اقتنيت نعمة)وإنما يقـال ((جلّت يده عندي وكثرت أياديه لدي)) ونحو ذلك.

** الشكل الاول للمجاز العقلي (( العلاقة الزمانية))**
<>ــــــــــــــــــــــــــــــ٠٠٠ــــــــــــــــــــــــــــــ<>

=مثال من قول الشاعر:-
٠٠------------٠٠
(( ابكاني الدهر ويا ربما <><> اضحكني الدهر بما يرضي ))

وهنا لخص لنا الشاعر حياته كلها بحلوها .. وصعـــابها فـــي كلمـــات قليلــة استطاعت ان تثير خيالنا ليقيم صورا شتــى من تجـــاربة المختلفـــة والتاثيـر الملموس في قوله( ابكاني الدهر) اضافة الى ما بدا للشاعر من اختيــار هذا الخصم الذي يقف له بالمرصاد وهو ( الدهر) ذلك الهائــــل بجبروته وبطــــشه وسلطانه والذي لا يقهر ويعجز في الحقيقة الخيال عن محاولـــة الاحاطــة به ..فهذا يعكس شدة ما في نفس الشاعر من آســى وحرقـة على هذا الدهر الذي انزل به ما ابكاه ..
ففي هذا الشرح والاسناد مجاز ( عقلي) علاقته الزمنـــية وفـــي وجود هذه العلاقة ما يمنح الموقف وضوحــــة وللمشهد قربــه من التخيــــل الملموس والمحسوس اذن فلدينا ..( مجاز عقلي ) علاقتة الزمانية .

= مثال آخر من قول الشاعر:-
٠٠-----------------٠٠
(( لا تحسبنَّ سروراً دائماً أبداً <><> مَنْ سرَّهَ زمنٌ ساءتْهُ أزمان))

اضاف الشاعرهنا الإساءةَ وهي الجانب المظلم والسرورَ وهو الجانب المضيء إلى الزمنِ ولم يسنده الى نفسه فدوما ما نحمل الزمن مالا طاقة له بهذه او تلك الافعال ومن هنا كانت الحالة مجار عقلى علاقتة ( الزمانية ) . وذلك فيــما بني فيه الكلام للفاعل وأسند للزمـــان ولا أثر للزمان فــــي ذلك واعتبر الزمان باعتبار الإسناد إليه مجاز عقلي.
=مثال في قول الله تعالى :-
٠٠----------------٠٠
وأبرز مصديقه على (المجاز العقلي) من القرآن الكريم قوله تعالى:-

(( { وَالضُّحَى وَالَّيلِ إذَا سَجَى } ))
فسجى هنا بمعنى سكن والليل وإن وصف بالسكون فسكونـه مجــــازي لأنه غير قابل للحركات المباشرة التي قد توصف بالهدوء حيناً وبالفعاليــة حيناً آخر.

= مثال آخر في قوله تعالى:-
٠٠-----------------٠٠

﴿( أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾).. ( سورة البقرة آية:رقم ١٦) .
ومن اقوال الزمخشري في هذه الآية يقول معنى اشتــراء الضلالــــــة بالهدى اختيارها عليه واستبدالها به على سبيل الاستعارة لأن الاشتراء فيـــــه إعطاء بدل وأخذ آخر ومنه فإن قلت كيف اشتروا الضلالة بالهدى وما كانوا على هدى وما كانوا على هدى قلت جعلوا لتمكنهم منه وإعراضه لهم كأنـــه في أيديهم فإذا تركوه إلى الضلالة فقد عطلوه واستبدلوه به ولأن الدين القيم هـــو فطرة الله التي فطر الناس عليها فكل من ضل فهو مستبدل خلاف الفطرة فإن قلـت كيف أسند الخسران إلى التجارة وهو لأصحابها قــــلت هو الإســـناد المجازي وهو أن يسند الفعل إلى شيء يتلبس بالذي هو في الحقيقة له كما تلبست التجارة بالمشترين وهنا نتسائل كيف تربح التجارة وإنما يربح التاجر وذلك من كلام العرب (ربح بيعك)..(وخسر بيعك)فحسن القول بذلك لأن الربح والخسران إنما يكونان في التجارة وعليه فالعلاقة هنا مجاز عقلي .
** الخــــــــاتمــــــــــة :-
٠---------------٠
*لقد توسع علماء البلاغة القدامى والمحدثين فــي إيراد مــــبررات ( المــــجاز العقلي) وتفننوا بالتقسيمات وتعللوا بالتخريجــات المنطـــقية تارة والكــــلامية أخرى والنحوية سواهما حتى بلغوا بذلك حد الإفراط ممـــا ذهـــب برونق هذه العلاقة المتينة وبهائها فبدلا من حصرها وتسليط الأضواء على مضـمونها لجأوا الى التفصيلات المملة والأسماء المخترعة فكـانت السببـية مثــلا والمسببية والزمانية والمكانية والفاعلية والمفعولية والمصدرية وأضـــــراب ذلك من نماذج علاقة المجاز العقلي.وكانت تسمية الكل باسم الجزء الـــذي لا غنى عنه في الدلالة علـى ذلك الكل وتسمية الجزء باسم الكل وإسناد الفاعليـــة أو الصفة الثبوتية للزمــــان ووضـــع النداء موضع التعجب وإطــــلاق الأمر وإرادة الخـبر به وإضفاء الفعل الحسـي على الأمر المعنوي والتغليب بإعــــطاء الشيء حكـــم غيره وأضـــراب ذلك مـن نماذج علاقة المجاز اللغوي المرسل .

*وما اريد أن اشير اليه هنا احبتي الغوالي أن (( القرآن الكريم )) فـــي نصــه الإعجازي لم يكن ناظرا الى تلك التفصيلات لدى إيراده علاقة المجــاز العقلي وإنما كان متنقلا بالذهن العربي الى آفاق جديدة من التعبير الموحـي والبيان المعجز الذي يقف على حقائق اللغة العربية ويبرز جمالها كما زانها.. وزادهــا القرآن شرفا ووقارا ..
…………………........…………........…………..........…...........٠٠٠
..............................................................٠٠

والى لقاء آخر جديد مع برنامج (الصياغة في علمي اللغة والبلاغة)
** حقوق الاعداد والنشر محفوظة للشاعر / سيد غيث …

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق