الاثنين، 16 نوفمبر 2015

التحليل البلاغي لقصيدة أبو فراس الحمداني أراك عصي الدمع .(1)

التعريف بالشاعر:

أبو فراس الحمداني هو أبو فراس الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني التغلبي الوائلي،. هو شاعر من أسرة الحمدانيين، وهي أسرة عربية حكمت شمال سوريا والعراق وكانت عاصمتهم حلب في القرن العاشر الميلادي . ويكيبيديا.

الميلاد: ٩٣٢ م، بغداد، العراق

الوفاة: ٤ أبريل، ٩٦٨ م، صدد، سوريا

الوالدان: سعيد أبو العلاء.



إطلالة قصيرة على القصيدة.

تأبى الدمعة أن تنداح من عين العاشق الأسير ولكن قريحته السحّاحة التي لا تعرف حدوداً للعطاء أمطرت وابلاً من الحنين والعتب.

شاعرنا الأمير لم تنسه لوعة الأسر عزة نفسه فراح يزهو مفتخراً بمناقبه الجمة، فهو العاشق المخلص والفارس الذي لا يشق له غبار في ساحات الوغى، وهو القمر الذي لا بد أن يفتقده قومه في الليالي الظلماء وما أكثرها بعد غيابه، وهو الذي لا يهاب الموت طالما أنه النهاية الطبيعية لكل البشر وأن أي إنسان مهما طالت به الأيام وانفسح العمر أمامه لا بد ميت، ولا يبقى سوى ذكره الطيب الذي تناقله الأجيال.

والقصيدة يفوح منها أريج العاطفة الصادقة والفروسية العربية والحنين إلى الوطن والحبيبة، إلى الحرية وكيف لا يحن الطائر الحبيس إلى فضائه الرحب.
والقصيدة من البحر الطويل.





المقطع الأول : الصراع بين الكبرياء والعاطفة .






أرَاكَ عَـصِـيَّ الـدّمـعِ شِيمَـتُـكَ الصّـبـــــرُ        أمــا للهوى نـهـيٌّ عـلـيـكَ ولا أمـــــــــــرُ ؟


بلى، أنا مشتاقٌ، وعنديَ لوعـــــــــــــــــــــةٌ        ولكـــــــــــنّ مثلي لا يُـــــــــــــذاعُ لــــــه ســرُّ !


إذا اللَّيلُ أضواني بسطتُ يدَ الهــوى        وأذللتُ دمعاً من خلائقِه الكبـــــــــــــــرُ


تكادُ تضِيءُ النــــــــارُ بينَ جَوانِحـــــــــــــي        إذا هي أذكتْها الصـبابةُ والفِكــــــــــــــــرُ


معللـتـي بـالـوصـلِ ، والـمــوتُ دونــــــــهُ         إذا مِـــتّ ظَـمْـآنـاً فَـــلا نَـــزَل الـقَـطْـــــرُ!


 وفيتُ وفى بعض الوفـــاء مذلـــــــة          لآنسة فى الحى شيمتها الغــــــــــدر
الشــــــرح:

بدأ أبو فراسٍ قصيدتَه بمقدمةٍ غزليّة تقليديّة [الأبيات 1ـ6 ] ولكنها عذبةٌ رقيقة جميلة، ولم يُشوِّهْ جمالَها إلا الأنانيّة الطاغية في قوله:

إذا متُّ ظمآناً فلا نزلَ القطرُ كما تظهرُ في هذه المقدّمة نفسيّةُ أبي فراسٍ المتعالية والمتعاظمة ، مع أن موقفَ الحبِّ موقفُ خضوعٍ وتصاغرٍ وتنازل؛ فهو لا يستجيبُ لأمرِ الهوى فيسمحُ لدمعِه بالظهور، ولا يخضعُ لنهيِ الهوى له عن الصبرِ في سبيلِ الحب, بل يحتفظُ بكلِّ مظاهرِ حُبِّهِ وشَوقِه سراًّ في صدرهِ أو تحتَ ظلمةِ اللَّيل.

وهنا شرح مفصل لهذه المقدمة الغزلية التقليدية من حيث المعاني والصور البلاغية .

1. تحليل البيت الأول :


أرَاكَ عَـصِـيَّ الـدّمـعِ شِيمَـتُـكَ الصّـبـرُ    أمــا للهوى نـهـيٌّ عـلـيـكَ ولا أمـــرُ ؟

مفردات النص :

- عصي الدمع : يصعب نزول دموعه ( أي دموعه عزيزة ) .

- أما: أليس .

- شيمتك : خلقك , صفتك ,والجمع شيم .

- الهوى : الحب .

- نهي ولا أمر: المراد سلطان .

شــــــــــــــــــرح  البيت الأول:

يستحضر شاعرنا محبوبته ويخالها تتعجب من قوة صبره وقدرته على تحمل آلام العشق وكأن الحب ليس له سلطان عليه.

ويريد الشاعر ان يقول أنه في وضع يحتم عليه البكاء والحزن والأسى , وكان لا بد أن يبكي ولم يبكي فهو من طبعه الصبر والتحمل والصمود والثبات.

كما ان  في قوله  (اما للهوى ) استفهام وهنا الشاعر يخاطب نفسه بدهشه أما للهوى نهي عليك ولا أمر؟ أي لم يعد للهوى سلطان عليك.

وتظهرُ في هذه المقدّمة نفسيّةُ أبي فراسٍ المتعالية والمتعاظمة ، مع أن موقفَ الحبِّ موقفُ خضوعٍ وتصاغرٍ وتنازل؛ فهو لا يستجيبُ لأمرِ الهوى فيسمحُ لدمعِه بالظهور، ولا يخضعُ لنهيِ الهوى له عن الصبرِ في سبيلِ الحب.



البلاغـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة :

عصي الدمع : استعارة مكنية فيها تشخيص حيث صور الدمع بإنسان يعصى .

للهوى نهي : استعارة مكنية فلديها تشخيص حيث صور الهوى في صورة إنسان له نهي وأمر .


أما للهوى : أسلوب إنشائي - إستفهام - للتعجب .





2. تحليل البيت الثاني :

بلى، أنا مشتاقٌ، وعنديَ لوعةٌ       ولكنّ مثلي لا يُذاعُ له سرُّ !

مفردات النص:

لوعة: شدة الحب , حرقة الشوق.

يُذاع : يُعرف وينتشر .



شرح البيت الثاني :

يرد الشاعر مبينا أن الشوق ولوعة الحب تحرق قلبه فهو يتأثر كما يتأثر العشاق و يعاني , وعنده لوعه ويشتاق إلى محبوبته ولكن المشكلة هي مكانته العالية في المجتمع فهو سيد وفارس بني حمدان الذي يعتمد عليه في المعارك وعليه أن يحافظ على هذه الصفات , بل عليه ان  يحتفظُ بكلِّ مظاهرِ حُبِّهِ وشَوقِه سراًّ في صدرهِ أو تحتَ ظلمةِ اللَّيل.



البلاغـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة :

أنا مشتاق .. وعندي لوعة:إطناب بالترادف يؤكد المعنى والبيت كله كناية عن شدة حبه .

الأسلوب :خبري غرضه إظهار اللوعة .



3. تحليل البيت الثالث:

إذا اللَّيلُ أضواني بسطتُ يدَ الهوى           وأذللتُ دمعاً من خلائقِه الكبرُ .

مفردات النص:

أضواني : آتاني واحتواني  , ضمني,  والماضي منه ضوى .

بسطت : مددت , فتحت .

خلائقه : طباعه , صفاته , ومفردها خليقة.

الكِبر : الكبرياء ،

أذللت: أخضعت.



شرح البيت الثالث:

يقول الشاعر إنه عندما يأتيه الليل ويحتويه ويضمه يترك لحبه العنان ليفعل به مايشاء ، ويمنح دموعه الفرصة كي تنزل بغزارة وهي التي تتصف بالكبرياء  , لكنه لا يظهر بكاءه للناس تجلداً وصبراً, فمثله لا يظهر بمظهر الضعف أمام الناس لأنه أمير .

البـــــلاغـــــــــــــــــــــــــــــــــــة :

أذللت - الكبر : بينهما طباق يبرز المعنى ويوضحه .

إذا الليل أضواني : استعارة مكنية  حيث صور الليل بالغطاء ليدل على المعاناة.

بسطت يد الهوى : استعارة مكنية , حيث صور الهوى إنسانا له يد مبسوطة.

أذللت دمعاً من خلائقِه الكِبْرُ : كناية, عن التحكم في دمعه حيث صور الدمع إنساناً ذليلاً بعد أن كان متكبراً.
(والبيت بأكمله) : خبري غرضه إظهار اللوعة .

4. تحليل البيت الرابع 

تكادُ تضِيءُ النـارُ بينَ جَوانِحـي       إذا هي أذكتْها الصـبابةُ والفِكرُ

مفردات النص:

تكاد: تقترب أو توشك

جوانحي: جمع جانحة وهي الضلوع , جوانبي,  (جذرها جنح) جمع (جانحة)

أذكتها: زادتها اشتعالا , أججتها, أثارتها وقوّتها , (وجذرها: ذكو) .

الصبابة: (جذرها: صبب) شدة الحب أو حرارة الشوق .

 شرح البيت الرابع:

يقول الشاعر إنه عندما يخلو بنفسه ليلاً تتكاثر عليه ذكرياته حتى تلهب جوانبه وأعضائه تكاد من شدة الوجد تحرقه كلما حركتها لوعة العشق وأفكاره , خصوصاً وأن تفكيره في حبيبته وشدة شوقه إليها قد أجج هذه النيران وأثارها .

البلاغـــــــــــــــــــــــة:

تكاد تضيء النار بين جوانحي: كناية عن شدة الشوق حتى إن لوعته تكاد تضيء.

تضيء النار : ( النار ) استعارة تصريحية حيث شبه آلام الحب بالنار وحذف المشبه وصرح بالمشبه به .

أذكتها الصبابة والفكر :استعارة مكنية, حيث صور الصبابة والفكر وقوداً يزيد هذه النار اشتعالاً.


والأسلوب خبري لإظهار اللوعة وألم الحب .



5. تحليل البيت الخامس:

معللـتـي بـالـوصـلِ ، والـمــوتُ دونـــهُ           إذا مِـــتّ ظَـمْـآنـاً فَـــلا نَـــزَل الـقَـطْـرُ!

مفردات النص:

معللتي: (جذرها: علل) مَنْ تمنيني وتصبرني أو التي تعلّلني وتداويني , تلهيني كالطفل.

الوصل: اللقاء أو الوصال ومرادفها (الهجر أو القطيعة).

دونه: قبله , أقرب منه.

ظمآنا : عطشانًا والجمع (ظِماء) ومؤنثها ظَمْأى.

القَطْر: المطر، مفردها (قطرة).

 شرح البيت الخامس:

ينادي الشاعر محبوبته تَعدهُ باللقاء ولكنها لا تفي وتخلف وعْدَها، والشاعر يخشى أن يعاجله الموت قبل أن يلقاها ويروي ظمأه ويسأل الله ان لا ينزل القطر ( الوصل ) لغيره , ويدعو على كل المحبين بنفس المصير وهو الحرمان .

البلاغـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة.

إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر: استعارة تصريحية  حيث شبه نفسه وهو محروم من لقاء حبيبته بالظمآن الذي حرم الماء حتى تعرض للموت وحذف المشبه وصرح بالمشبه به , كما أنه تشبيه ضمني حيث صور المحروم من لقاء حبيبته بالظمآن المحروم من الماء.

والموتُ دونَهُ: كناية عن دوام الهجر حتى النهاية .

(بين الظمأ والقطر): طباق يبرز المعنى ويوضحه.

إذا مت ظمآناً فلا نزلَ القَطْرُ : أسلوب غرضه الدعاء على المحبين بعدم اللقاء وبالتالي حرمانهم من السعادة مثله ، وفي هذا (أنانية) من الشاعر .

معللتي بالوصل : أسلوب إنشائي ـــ نداء غرضه إظهار الحيرة والاضطراب وحذفت أداة

النداء لقربها من قلبه .

6. تحليل البيت السادس :

 وفيتُ وفى بعض الوفاء مذلة              لآنسة فى الحى شيمتها الغدر

مفردات النص :

آنسة : الفتاة المحبوب قربها وحديثها  أو كما قيل الفتاة التي لم تتزوج.

شميتها: طبائعها, صفتها.

الغدر: الخيانة.

وفيتُ: أخلصت .  المذلة: الهوان.

شرح  البيت السادس:

يبين الشاعر أنه كان وفيا لمحبوبته وتحمل المذلة من أجل هذا الوفاء ولكنها كانت تتصف بالغدر فلا تقابل هذا الوفاء بمثله بل بالغدر. البلاغـــــــــــــــــــــــة :

بين الوفاء والغدر: طباق يبرز المعنى ويوضحه .

بعض الوفاء مذلة:  تشبيه حيث شبه بعض الوفاء بالمذلة .
 البيت أسلوبه خبري غرضه إظهار صفاته وصفات محبوبته .


انتظرو البقية ... سننشرها قريباً انشاء الله 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق