الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

من تحرق قلبي هي التي أعشقها ...Youcef Dahmas

من تحرق قلبي هي التي أعشقها و أجدها في الحلم مثل الزمردة، أخبئها في الصندوق و لا أخرجها، أرسمها كما يفعل الأطفال بوجه جميل و شعر طويل على يمينها شجرة و خلفها منزل صغير، قد تكون طويلة نوعا ما و لكنها جميلة جدا، كما تخيلتها رسمتها ثم خبأتها في الصندوق، و عندما حل الليل و أرخى سدوله كما يقال في الشعر لجأت كعادتي إلى شاطئ ( تيزيرين ) في مدينة ( شرشال) و رحت أخاطب البحر قائلا: ( أنت وحدك من تفهمني ) ثم رحت أكسر زجاجات الخمر الفارغة و الموجودة في الشاطئ بالعشرات و التي عادة ما يشربها المهزومون ..
* * *
من المهزومين الذين تعرفت عليهم في هذا المكان ( عمي رابح ) و الذي حكى لي أنه لما عاد من الغربة في ( فرنسا ) بعد عشر سنوات وجد حبيبته قد تزوجت من صديقه فاختار في صمت قارورة الخمر حبيبة و زوجة ، قلت له : ( أنا متدين جدا و لم أذق الخمر في حياتي )
فعلا كنت صادقا في قولي فأنا عندما أشعر بالضعف و الحيرة و الأسى ألجأ إلى البحر أخاطبه فقط، لا أستسيغ فكرة كتابة الشعر بقارورة الخمر، أعتبرها مدرد كذبة صدقها مئات من المبدعين، الكتابة الراقية أن تخرج ما فيك ناعما و طريا و شهيا في اللحظة التي تكون فيها عند أقصى درجات الحزن ، أن تكون كاتبا ناجحا فذلك ليس سهلا و لكنه في نفس الوقت ليس أمرا مستحيلا ، عندما يعتقد القارئ أنه هو المقصود فقد كتبت نصا جميلا
* * *
ملح البحر في فمي عندما أغطس بمذاق مدهش، أتمنى أن أشرب البحر كله عندما أدخل فيه، تعودت منذ صغري العوم في الليل مستعينا بضوء القمر، لكنني لا أبتعد كثيرا عن الشاطئ خوفا أن يلتهمني الحوت، يومها سألبث في بطنه إلى يوم البعث، لهذا تعلمت أن لا أغامر كثيرا مع البحر، إنه صديقي الذي أأتمنه على أسراري الخاصة جدا و لكنه في نفس الوقت يغدر بي إذا تماديت في معرفة أسراره، لهذا أعرف حدودي جيدا أين أتوقف عن العوم عند مسافة لا تتجاوز الألف متر و هي كافية جدا أن يسمعني فيها عمي رابح إذا طلبت النجدة
* * *
هذا الأشعث الأغبر الذي أجده يوميا جالسا تحت العمود الكهربائي، يحمل زجاجة عطر ما بعد الحلاقة و يشرب منها، لم يغير عادته منذ خمسة عشرين سنة، عندما كنت طفلا كنت أعتقد أنه يستعملها في حلاقة ذقنه مثل ما يفعل والدي عندما يستعمل هذا النوع من العطر ليبقى وجهه جميلا لكن تساؤلي كطفل بخصوص هذا الشخص أين المرآة التي يرى فيها وجهه؟ وهل يستعمل البحر مرآة عند حلاقة وجهه؟ عندما طرحت تساؤلاتي على عمي رابح ضحك كثيرا ثم قال لي: ( الفقراء يستعملون العطر كنوع من الكحول لأنهم لا يملكون المال الكافي لشراء قوتهم فما بالك باللذة، هذا الأغبر كما تسميه يجلس دائما عند العمود الكهربائي و يسمى ( إسماعيل ) ، أتعرف قصته مع لذة السكر و نشوتها؟ إنه اتخذها بديلا ينسيه مشاهد الرعب التي عاشها سنوات التسعينيات عندما كان الناجي الوحيد من مجزرة وقعة في قرية بالقرب من مدينة ( حمر العين ) و هو يسكن الآن في كوخ يقع عند سفح الجبل في المدخل الشرقي لمدينة ( شرشال) و أنت تعرف جيدا مظهر الدم الذي عشته و عايشته ، يا صديقي الكاتب إن أصدقاء البحر هنا كثيرون و أنت واحد منهم، الفرق الوحيد أن جميعهم يحتسي الخمر و تكاد تكون أنت الوحيد الذي يختلف عنا )
* * *
قلت لعمي رابح: ( لكن إسماعيل يحرق قلبه بالعطر و هذا خطر على صحته ) فقال لي عمي رابح : ( أنت تحدثني دائما عن مساوئ الخمر مع أني أعرفها أحسن منك لكنني لم أقاطعك و لم أقل لك إنك مخطئ، في نفس الوقت حاولت كثيرا أن أقلع عن شربه لكنني لم أستطع ، إنه يجري في دمي و لا أنصحك بالحديث مع إسماعيل و محاولة نصحه لأنني متأكد تماما أنه لن يسمعك، ستوقظ جراحه فقط لهذا يا صديقي الكاتب عش في حدود ما تراه مناسبا أو كما يقال بالتعبير الشائع عش في حدود يومك كما تعلمت و اشتهيت الحياة ، عشها مرة واحدة كما أتتك و النموذج الذي تعرفه لا يصلح لغيرك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق